تدفقت من بين دروبها الصحراوية وطرقها الملتوية كميات كبيرة من الأسلحة والمخدرات عقب اندلاع ثورة يناير فى عام 2011، وشكلت خطراً داهماً على حياة المصريين، لكونها من أهم طرق تهريب البشر والسجائر المسرطنة وأدوات التجميل الفاسدة والذهب من وإلى مصر، إنها المنطقة الشمالية الغربية التى تفصل بين حدود مصر وليبيا، من منطقة السلوم شمالاً وحتى واحة سيوه وبحر الرمال العظيم جنوباً، وعلى الرغم من تكثيف الدوريات الأمنية المصرية على الحدود وزيادة عدد نقاط مراقبة الحدود، فإن المهربين الدوليين يستغلون عدم وجود حواجز صناعية بين مصر وليبيا، نظراً لطول المسافة وامتداد الصحراء، فى ممارسة أعمالهم غير المشروعة يومياً.
«الوطن» رصدت أهم طرق التهريب والثغرات التى يستخدمها المهربون فى تهريب البشر والأسلحة والبضائع والمخدرات من وإلى ليبيا.
عقب اندلاع ثورة يناير عمت الفوضى الحدود الغربية لمصر وانتشر تهريب السلاح والمخدرات والسيارات بصورة غير مسبوقة، بعد احتراف عدد كبير من سكان المناطق الحدودية عمليات التهريب، لمعرفتهم بالدروب الجبلية بين مصر وليبيا، وتتنوع طرق التهريب بين البر والبحر وتتنافس فيما بينها لنقل المخدرات والأسلحة إلى مصر، وعلى الرغم من وجود 4 كمائن لقوات الجيش على طريق «مطروح - سيوة» فإن المهربين يسلكون طرقاً بديلة موازية لهذا الطريق بعيداً عن أعين قوات حرس الحدود.
أجهزة الأمن تحبط عملية تهريب أسلحة
خالد مسلم، محام، من واحة سيوه، يقول «عمليات التهريب كانت موجودة على استحياء فى عهد حسنى مبارك لكنها زادت بشدة عقب جمعة الغضب فى 2011، حيث فتحت الحدود على مصراعيها، بسبب حالة الانفلات الأمنى غير المسبوقة التى أصابت مصر، حيث يتم عقد صفقات بين أصحاب سيارات الدفع الرباعى فى مصر وبين بعض الليبيين، لكن تم تضييق الخناق على طرق التهريب بين واحة سيوة فى مصر وواحة جغبوب فى ليبيا، بعد الانتخابات الرئاسية فى 2012، وزادت بعد عزل الدكتور محمد مرسى من منصبه العام الماضى، بعد دفع القوات المسلحة بقوات ونقاط مراقبة إضافية على الحدود مع ليبيا.
يضيف مسلم «يعمل معظم المهربين حالياً على تهريب المهاجرين غير الشرعيين والبضائع من مصر إلى ليبيا بينما يقوم القليل منهم بتهريب الأسلحة والمخدرات، فى العام الماضى كنا نشاهد بصورة شبه يومية أفراداً سوريين فى سيوه، قبيل تهريبهم إلى ليبيا، ويتخذ بعض المهربين من حدائق النخيل والمزروعات محطة رئيسية قبل تنفيذ عملية التهريب، ولاء المهرب ليس للوطن ولكن للجنيه، وما دفعه على ذلك إحساسه بالتهميش وعدم توفير بديل مناسب له، ومع ذلك يرفض الأهالى هنا تهريب الأسلحة ويمقتون من يقوم بذلك بل يبلغون عنهم».
السلاح يتدفق عبر الحدود الغربية.. و«الأكمنة» لا تكفى للمواجهة.. والمهربون يتحركون بحرية كاملة
ويقول باسم جاد، معاون مباحث قسم شرطة سيوه «بعد ثورة 30 يونيو فى 2013 قامت قوات حرس الحدود والمخابرات الحربية بعمل حملات أمنية لاستهداف المهربين وتوقيف المهاجرين غير الشرعيين، بالتعاون مع إدارة البحث الجنائى، ونجحت الحملات فى ضبط عدد كبير من المروجين للسفر عبر الطرق غير الشرعية من سيوه، من خلال التنسيق مع بعض العملاء بالدلتا والقاهرة، فى الشهر الماضى نجحنا فى ضبط 159 مهاجراً غير شرعى من المصريين والأجانب فى إحدى الحدائق قبيل هروبهم إلى ليبيا ليلاً».
وعن محطات عملية التهريب يقول جاد «يوجد مندوبون لعصابات التهريب فى جميع أنحاء الجمهورية، خاصة فى محافظات الصعيد، وهؤلاء يحصلون على عمولة معينة تتفاوت من وقت لآخر، وتبدأ من 3 آلاف جنيه وحتى 7 آلاف جنيه للفرد الواحد، يتم الاتفاق مع المهاجرين غير الشرعيين على التحرك فى وقت معين للسفر إلى مطروح قبل التوجه إلى سيوة من خلال الطرق الصحراوية الموازية لطريق «سيوة - مطروح»، هؤلاء يستعينون بسيارات دفع رباعى ومجهزة للسير فى الجبال والرمال، ويسيرون لمسافة تزيد على 300 كيلو متر وسط الجبال وبعيداً عن كمائن الجيش الموجودة بطول الطريق».
معاون مباحث سيوة: مندوبون للمهربين فى كل المحافظات والمهاجرون يختبئون فى الحدائق قبل الهرب
يتابع جاد قائلاً «يفضل المهربون العبور إلى ليبيا من خلال المنطقة الشمالية الغربية، نظراً لمساحة الصحراء الشاسعة وعدم وجود حواجز صناعية بين الدولتين، كما أن أغلب المقبوض عليهم من السوريين بجانب المصريين الذين يسافرون للعمل فى ليبيا، بجانب بعض الهاربين من أحكام قضائية، وقد تمكنا من ضبط حوالى 600 شخص قبل هروبهم إلى ليبيا خلال السنة الماضية فقط، أما هروب قيادات جماعة الإخوان المسلمين فهى حالات فردية، مثل قضية هروب صفوت حجازى فى منتصف أغسطس الماضى فى الكيلو 29 على طريق مطروح سيوه».
ويقول محمود إبراهيم، متخصص فى رحلات السفارى بالمنطقة «إن عدد مهربى السلاح والمخدرات قليل جداً لا يتعدى 2% من نسبة المهربين، اللى يجيب سلاح عارف أنه بيدمر نفسه، لأن طرق التهريب لم تعد سهلة والدخول إلى مدينة سيوة أصبح صعباً جداً لأن قوات الجيش تطوق المنطقة من جميع الجهات، حتى لا يختبئ فيها المهربون، كما قامت قوات حرس الحدود بإضافة 7 نقاط جديدة لمراقبة الحدود مع ليبيا، مستخدمين سيارات دفع رباعى حديثة لمواجهة المهربين، كما أن الأراضى الصحراوية المكشوفة والمستوية تسهل من مهمة المراقبة، خاصة أن كانت أعمال المراقبة تتم من خلال الطائرات الحربية التى تنطلق من قاعدة عسكرية قريبة من سيوه».
يضيف إبراهيم «طريق التهريب الذى يقع بين سيوه وجغبوب يبلغ طوله حوالى 110 كيلومترات، مرصود حالياً من قبل الأجهزة الأمنية، لذلك يلجأ أحياناً بعض المهربين إلى جنوب سيوة وبحر الرمال الأعظم للتهريب على بعد 70 كيلومتراً من سيوه، وحتى حدود محافظة الوادى الجديد، ومن هناك يتم التهريب إلى محافظات الوجه القبلى، والرمال المتحركة فى تلك المنطقة ليست كما يظن الناس أنها تبتلع الأفراد والمهاجرين لكن فقط تتحرك من مكانها حسب اتجاهات الريح».
ويقول أحد أهالى السلوم، رفض ذكر اسمه «وعود المهربين لا تكون دقيقة لأنهم يتركون العمال المصريين الهاربين إلى ليبيا فى الصحراء ليلاً ليكملوا المسافة سيراً على أقدامهم وسط حقول الألغام جنوب السلوم وهو ما يصيب العمال بإصابات خطيرة ويؤدى إلى الوفاة مثل واقعة عام 2012 التى قتل فيها أكثر من 5 أشخاص».
المهربون فى طريقهم إلى ليبيا
أرشدنا أحد أهالى السلوم إلى شاب ثلاثينى يعمل فى مجال التهريب، كان يقود سيارة دفع رباعى ويرتدى جلباباً أبيض ومن فوقه جاكيت أسود، تخصص الشاب النحيف ذو البشرة السمراء فى تهريب المهاجرين غير الشرعيين خاصة السوريين منهم، بالإضافة إلى تهريب السلاح، قبل التحدث طلب منا عدم ذكر اسمه أو التقاط صور له حتى لا يتم القبض عليه، وقال «بعد اشتعال الأوضاع فى سوريا وتوافد آلاف اللاجئين من هناك على مصر حضر إلى هنا مئات الأفراد للسفر إلى ليبيا والإقامة هناك بعد تعثر إقامتهم فى مصر والاستقرار بها، ومنذ عام تقريباً انتشرت أعمال تهريب السوريين إلى ليبيا عن طريق الدروب الجبلية جنوب السلوم مقابل 600 دولار للفرد الواحد، تهريب الأفراد دا شىء هايف ودخله بسيط مقارنة بتهريب السلاح».
كشف الشاب مفاجأة خطيرة وقال «يظن معظم المواطنين أننا ما زلنا نهرب أسلحة إلى داخل مصر من ليبيا، لكن الحقيقة أننا نقوم بتهريب السلاح إلى ليبيا مرة أخرى بعد ارتفاع أسعار الدولار والدينار الليبى أمام الجنيه المصرى، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلاح فى ليبيا، لذلك نحاول تجميع السلاح وشراءه مجدداً من مناطق مطروح والسلوم وتهريبه إلى ليبيا، مؤكداً أن المهربين يحصلون على أكثر من ألف جنيه مكسباً فى القطعة الواحدة من السلاح الخفيف».
أضاف الشاب الذى قضى فترة كبيرة من عمره فى السجون العسكرية بتهمة التهريب «نجد حالياً صعوبة كبيرة فى تجميع السلاح أو شرائه، لأنه بقى شحيح، أما الصواريخ والقذائف فلا يتم تهريبها إلى ليبيا، لأنها هربت إلى داخل مصر».
وأشار الشاب المهرب «تهريب السلاح والسوريين يتم غالباً فى المساء على بعد 30 كيلومتراً جنوب منفذ السلوم وجنوب سيوة، عبر طرق وعرة لا يعرفها إلا البدو والمهربون، ونجحت كثيراً فى تهريب السوريين إلى ليبيا حيث يكون فى انتظارنا عصابات تهريب أخرى داخل الحدود الليبية».
عمليات التهريب لا تقتصر على الطرق الصحراوية فقط بل تمتد إلى البحر المتوسط، من خلال سواحل السلوم، ويعتبر التهريب عن طريق البحر هو الأكثر نشاطاً بين مصر وليبيا بعد ثورة 17 فبراير الليبية، بعد إحكام سيطرة قوات الأمن والجيش على منفذ السلوم، ورصد مناطق التهريب من قبل قوات حرس الحدود وتحولت مراكب الصيد البحرية التى تخرج من موانئ الإسكندرية ومطروح والسلوم إلى ناقلات للمهربين، بجانب بعض الزوارق السريعة الليبية التى تساعدهم فى تهريب السلاح والترامادول والذهب والنحاس والأغنام والهجرة غير الشرعية.
وتخرج مراكب الصيد المصرية بتصاريح صيد لمدة 8 أيام تصل لـ10 فى بعض الأوقات، تقوم السفن خلال تلك الفترة بنقل بضائع مهربة بشكل يومى من منطقة البردى الليبية، التى تبعد عن السلوم بـ10 كيلومترات غرباً وتنتقل بحراً إلى ساحل سيدى برانى والنجيلة بمطروح.
محمود العتريس، رئيس جمعية الصيادين بالسلوم، يقول «معظم مراكب الصيد شغالة حالياً فى عمليات التهريب بجانب الصيد، لتدهور حالة الصيد فى السنوات الأخيرة وقلة الأسماك وعدم وجود مكاسب من ورائها وهو ما أدى لتوجههم لنقل البضائع المهربة مقابل مبالغ مالية كبيرة، تبدأ من 30 ألفاً إلى 100 ألف جنيه، دون أى تدخل من صاحب المركب، فعلاقته بالبضاعة تنتهى بمجرد تسليمها إلى المهربين بداخل مصر، يعنى ممكن بعد نقلتين أو تلاتة يجيب حق المركب، وأغلب المراكب بتشتغل حالياً فى تهريب الترامادول والأقراص المخدرة، والسجائر ويستطيع المركب حمل 2000 كرتونة فى المرة الواحدة».
أحد المهربين: «نعيد تهريب الأسلحة إلى ليبيا بعد ارتفاع أسعارها هناك.. وتهريب السوريين موضوع سهل جداً»
من جانبه يقول خالد سليمان، صاحب مركب صيد بمطروح «تم ضبط 40 مركب صيد تعمل فى التهريب بمطروح والسلوم من قبل السلطات المصرية، للأسف أصحاب النفوس الضعيفة من أصحاب المراكب هم الذين يعملون فى نقل البضائع المهربة وبيحصلوا على 30 ألف جنيه مقابل تهريب نقلة السجائر، لكنهم الآن بيهربوا سلاح وترامادول أو مخدرات، وسعر النقلة مليون جنيه، وتبلغ حجم التعاملات المالية فى عمليات التهريب للأسلحة والذخيرة التى تتم بين ليبيا ومصر حوالى 70 مليار جنيه وهو رقم غير رسمى، وذلك منذ اندلاع الثورة الليبية وحتى الآن.
ويقول مصدر أمنى بمحافظة مطروح «يستخدم المهربون سيارات ووسائل اتصالات حديثة لتهريب السلاح والذهب والماس والأحجار الكريمة والبشر أيضاً، من خلال مدقات صحراوية بدايتها من واحة جغبوب الليبية وحتى واحة سيوة المصرية فى منطقة بحر الرمال الأعظم، أما الطريق الرئيسى الثانى للتهريب فيسلكه المهربون جنوب مدينة السلوم من 60 إلى 150 كيلومتراً، مستغلين الأدلاء والعارفين بالدروب والمدقات الصحراوية بجوار بعض حقول الألغام الكائنة على المنطقة الحدودية بين مصر وليبيا، التى تنقل الكميات المهربة بالسيارات بجانب الاعتماد فى بعض الأحيان على الدواب فى المساعدة، ويفضلون أن تتم تلك العمليات خلال فترات الليل، وهناك بعض المهربين الذين يفضلون أن تتم عمليات التهريب عن طريق مراكب الصيد وتهرب بداخلها الذهب خلسة فى أوقات معينة.
وأضاف المصدر «يقوم المهربون بتوزيع الأسلحة المهربة من ليبيا على تجار الجملة بمحافظات الدلتا والصعيد وشمال سيناء مقابل نسب معينة حسب الاتفاق بينهم، ويتم تهريب جزء منها إلى قطاع غزة لكن بنسب قليلة حالياً بعد تضييق الخناق على تجار الأنفاق فى رفح بعد سيطرة قوات الجيش على شمال سيناء بشكل قوى جداً. ويعد أكبر تجار السلاح المهرب من ليبيا فى مصر هم تجار ومهربو شمال سيناء، الذين يهربونها لحماس يليهم تجار السلاح بالصعيد».
وتابع المصدر الأمنى قائلاً «تكثف حالياً قوات حرس الحدود من جهودها لمواجهة المهربين فى المنطقة الغربية بالتعاون مع القوات البحرية، ونجحت بالفعل فى تقليل عمليات التهريب بعد 30 يونيو الماضى، وتمكنت مخابرات حرس الحدود بالمنطقة الغربية بإشراف اللواء محمد مصرى قائد المنطقة الغربية العسكرية من إحباط العشرات من عمليات التهريب الضخمة من ليبيا إلى مصر عبر الحدود المصرية الليبية بعد ثورة 25 يناير، ضمت حوالى 100 قضية سلاح، مع 45 شخصاً من أخطر المهربين الدوليين للسلاح، و90 سيارة لاند كروزر التى تعتبر أقوى السيارات المستخدمة حديثاً فى التهريب على مستوى العالم، بالإضافة إلى إحباط تهريب وضبط 16 مليون قطعة ذخيرة حية من مختلف الأعيرة، وتم ضبط أسلحة متعددة بما فيها صواريخ مضادة للطائرات وقذائف آر بى جى».